يحاول العمّ الهادي، وهو يجوب سوق باب الجزيرة، أحد الأسواق الشعبية بالعاصمة، ان يعدل من مشيته وهو يتطلع بنظره من لافتة الى أخرى مستطلعا أسعار الخضر والغلال وانسبها، في وقت يترصده أحد الباعة، كما غيره من المستهلكين، في سعي لابقائه بعيدا عن آلة الوزن الالكترونية المهترئة والمتقادمة المختفية نسبيا بين اكداس البضاعة.
ووسط الزحام في هذه السوق الشعبية، الشبيهة باسواق كثيرة عبر البلاد، تتعالى اصوات مديح الباعة لسلعهم في محاولة لاستقطاب اهتمام مرتادي السوق، ومنهم العم الهادي الستيني، الذين دفعهم غلاء الأسعار الى التوقف بين الفينة والاخرى امام احد الباعة علهم يظفرون بسعر مناسب لمشترياتهم.
ولئن تبدو الجولة الأسبوعية لعمّ الهادي، المتقاعد من احدى الإدارات التونسية، عادية بين ثنايا الباعة المنتشرين في انحاء سوق باب الجزيرة بحثا عن مراده من المنتوجات بأسعار تراعي مقدرته الشرائية، الا ان الأمور تنقلب راسا على عقب كلما تشارف عملية الشراء على الانتهاء واقتراب يدي البائع من آلة الوزن، التي ولئن صارت الكترونية مع اختفاء الالات الوزن التقليدية، ليكشف الرجل عن آلة وزن الكترونية ترتكز على صندوق بلاستيكي مائل وتتقلب على شاشتها ارقام غير واضحة.
المشهد يبدو عاديا، حتّى هذه اللحظة، في مسار البيع والشراء واقبال المواطنين في السوق، لكن الامر غير الطبيعي، هو أنّ جلّ التجار يقومون بعملية الوزن من خلال آلات وزن الكترونية متقادمة وحتى مهترئة، وضعت على صناديق بلاستيكية او حتى على قطعة آجر.
وضع وإن بدا للمواطنين طبيعيا وعاديا، بيد انه في حقيقة الامر غير قانوني بالمرة ويخفي تجاوزات تطال شفافية المعاملات التجارية ونزاهتها خاصة من حيث عدم تطابق الوزن مع السعر.
ويجهل المستهلك في اغلب الأحيان الواجبات المحمولة عليه في التعاطي مع مسالة ادوات الوزن والمكاييل الالكترونية المخصصة للمعاملات التجارية لا سيما إذا كانت هذه الآلات مهترئة ومتقادمة وغير مطابقة للمواصفات المترولوجية.
ويهرع المستهلكون عادة الى محلات بيع الخضر والغلال او أصحاب عدد من الشاحنات المتمركزة على الطرقات، اين تعرض مجموعة من منتوجات الخضر والغلال، بحثا عن أسعار مجزية تقلل من وطأة التضخم المرتفعة والتي ارهقت مقدرتهم الشرائية على مدى السنتين الأخيرتين.
ولم تنزل نسبة التضخم منذ بداية 2023 عن نسبة 10 بالمائة في اعلى مستوى لها في السنوات الأخيرة وسط ارتفاع غير مسبوق لمجموعة الأغذية التي وصلت الى مستويات 16 بالمائة في بعض المواد.
ويجهل طيف واسع من التونسيين ما تنطوي عليه أدوات الوزن الالكترونية من هامش كبير للغش التجاري لعدم احترامها للمواصفات العلمية والمراقبة، من جهة، ولسعرها الزهيد الذي يجعلها الة سريعة العطب ما يجعل نتائج الوزن، مع الوقت، غير صحيحة ودقيقة، من جهة اخرى.
يجمع عدد من المستهلكين ممن استقت وكالة تونس إفريقيا للانباء “وات”، آراءهم، على انهم يجهلون بان الات الوزن الالكترونية المستعملة في المجال التجاري معرّضة بنسب مائوية كبيرة الى الخطأ في الوزن ومن ثمة التأثير على الثمن النهائي.
وعلى عكس الآلات الميكانيكية والكلاسيكية فان للمستجوبين قناعة بان هذه الآلات الالكترونية على درجة الكبيرة من الصدقية والدقة ما يدفعهم الى الاطمئنان الى ما تسجله هذه الالات.
وانتشر استعمال الات الوزن الالكترونية في المعاملات التجارية في السنوات الأخيرة بشكل لافت الى حد غياب او اندثار الات الوزن الميكانيكية والكلاسيكية التي تسمى “روبرفال”.
وأصبح التجار يلجؤون الى أدوات الوزن الالكترونية لسهولة التعامل بها، فهي عملية في التعاطي معها وتمنح نوعا من الشفافية للمستهلك بعرض الوزن والسعر عبر الشاشة.
ويقول احمد العياري، أحد الباعة المتجولين في منطقة باردو عبر شاحنته الصغيرة المتقادمة لـ”وات”، انه لا يحبذ التعامل بالة الوزن الميكانيكية لثقلها (مصنوعة من الحديد) وان صيانتها تأخذ وقتا طويلا ما يعيق عمله في تحصيل عائدات مالية وصفها بالمتواضعة.
وببنيته الجسدية القوية ووجه لفحته اشعة الشمس الحارة، ينشغل العياري في حركات سريعة ومتتالية، بوزن الغلال لعدد من المواطنين على الة وزن الكترونية متلاشية وأرقام بالكاد تكون ظاهرة للعيان.
وبحركة خفيفة يزن التفاح مستغلا عدم انتباه الحريف الى السعر او حتى الوزن وسرعان ما يطلب ثمن الغلال ليمر الى وزن منتوج اخر لحريف لتتكرر العملية في غفلة من المواطنين “الجاهلين” بان الة الوزن الموضوعة على صندوق بلاستيكي مائل لا تحترم ابسط قواعد الوزن. (عم احمد العياري نسميوه والا موش لازم يمشيش يشكي بينا ههه).
ومن جانبه يرى رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك، لطفي الرياحي،ان جل الات الوزن الالكترونية المخصصة في الاستعمال التجاري مهربة ومقلدة.
وأفاد الرياحي في تصريح لـ”وات”، ان العديد من التجار يقبلون على اقتنائها لثمنها الزهيد الذي لا يتجاوز 150 دينارا غير انها لا تخضع الى معايير المواصفات المعمول بها في تونس وهي لا تحمل خاصة الملصقة الخضراء التي تثبت انها خضعت الى التدقيق من المصالح المختصة لوزارة التجارة.
واكد ان العديد من ادوات ومكاييل الوزن الالكترونية المقلدة والموردة من أحد بلدان جنوب شرق اسيا سريعة الاعطاب بما يؤثر على العلاقة بين الوزن والثمن.
وتابع مستشهدا بان بعض الآلات تسجل عن وزن منتوج واحد كيلوغرام “كلغ” لكن عند وضع نفس الكمية على الة اخرى معتمدة فانها تشير الى زنة 700 غرام وهو ما يعد ضربا من الغش وعدم وضربا لمقوم نزاهة المعاملات التجارية.
وخلص الرياحي الى دعوة المستهلك للابتعاد عن اقتناء الخضر والغلال وبقية المنتوجات من باعة لديهم الآلات مهترئة ومتقادمة وارقامها غير واضحة.
واكد مدير الإدارة الجهوية للتجارة بتونس، ماهر الغريبي، انتشار استعمال الات الوزن الالكترونية غير المطابقة للمواصفات غير المعتمدة من طرف الوكالة الوطنية للمترولوجيا.
وكشف الغريبي في تصريح لـ”وات”، ان المخالفات الاقتصادية المرتبطة بالمكاييل وأدوات الوزن الالكترونية على مستوى ولاية تونس، بلغت 2161 مخالفة من مجموع المخالفات المرفوعة البالغة 15380 مخالفة خلال الفترة من غرة جانفي 2022 الى 31 ماي 2023 أي ما يمثل 14 بالمائة.
وحسب التوزيع القطاعي للمخالفات المرفوعة في مجال المترولوجيا فقد بلغت خلال نفس الفترة 846 في المواد الغذائية و329 في الخضر والغلال و245 في مجال الدواجن ومشتقاتها و141 في الحلويات والمرطبات الى جانب إحصاء 99 مخالفة في اللحوم الحمراء و62 في المخابز و47 في الأسماك.
ولفت المسؤول الى ان هذا النوع من الآلات غير المطابق للمعايير ينتشر بصفة كبيرة في القطاعات غير المنظمة وفي الانتصاب الفوضوي.
وحذر المستهلك من التعامل مع التجار والباعة الذين يستعملون الات وزن الكترونية خاصة متقادمة وارقامها غير واضحة، لان الامر سيؤثر على سلامة الوزن والسعر النهائي.
وات