لم تستوعب المؤسسات الإعلامية عمق التحولات الحاصلة في البلاد منذ 2011 وانخرطت في سياقات
المحاصصات الحزبية وفي استعمال الميكنيزمات المبتذلة للترفيع في نسب المشاهدة والاستماع وفي
تفاصيل أخرى نترفع عن سردها وتوصيفها.
إن الاعلام هو المنصة المتقدمة لتشكيل وصناعة الرأي العام ولتوجيه المزاج العام لخدمة المصالح
الوطنية وذلك بسلطة الاتصال المباشر المرتبطة بطبيعة العمل وبالتحولات الحاصلة في مجال الثورة
المعلوماتية وسرعة انتشار المعلومة ووسائل التواصل الاجتماعي…
إن مناخات الانفتاح والتعدد التي أتاحتها التحولات الحاصلة في الوضع العام كانت فرصة للمؤسسات
الإعلامية لتثبيت سلطة الإعلام في الفضاء العام ولتكون بوصلة وطنية ترتقي بالوعي الجمعي وتلتصق
بهموم الناس ومشاغلهم وتنخرط في عموم الجهد الوطني للارتقاء بالبلاد والعباد.
تم اهدار هذه الفرصة واتجهت معظم هذه المؤسسات نحو سياقات عولمة قبيحة مبتذلة لنغرق في التفاهة
والتسطيح ولتحيد هذه المؤسسات عن دورها الطبيعي كرافعة وسند وتتحول إلى مؤسسات تجارية
تنتصب كأداة في سوق النخاسة والمحاصصات الحزبية.
اليوم وبعد تغيٌر الملامح العامة للوضع العام في البلاد آن الأوان ليلعب الإعلام دوره المفترض وهو
أساسا أن يقول الواقع الموضوعي ويكشف البؤر التي تهدد النسيج الاقتصادي والاجتماعي وأن تتحول
المؤسسات الإعلامية إلى قوى اقتراح وتعديل فيما يتعلق بالقضايا الوطنية الكبرى و أن تعمل على حماية
المنظومة القيمية والأخلاقية في عاصفة العولمة وأن تلعب دورها التوعوي خاصة وأن السوسيولوجيا
المحلية لم تكن جاهزة لمثل هذه التحولات العميقة في كل المستويات.
إن القضايا الكبرى لا يتم طرحها في معظم المؤسسات الاعلامية الا بشكل مناسباتي موجه مما يفقدها
جدواها وتأثيرها والحال أن الواقع يزخر بالبؤر المتناثرة في كل النسيج الاجتماعي والتي لم يتم تناولها
إلى اليوم بشكل علمي معمق نذكر منها (الهجرة السرية والهجرة العكسية والانقطاع عن الدراسة
وتضاعف منسوب الجريمة والمخدرات في الوسط المدرسي…).
لكي لا نطيل أكثر ان المؤسسات الاعلامية وان كانت لها أهداف ربحية فان وظيفتها الاجتماعية
ومسؤوليتها المجتمعية هو سبب وجودها القانوني والفعلي وبالتالي فهي مرتبطة بقوة الواقع والقانون
بالمصلحة العامة وبالقضايا الوطنية باعتبارها مكون من المشهد الاعلامي والنسيج الاجتماعي
والاقتصادي. ما نراه اليوم لا يشبه في شيء ما يجب أن تكون عليه المؤسسات الاعلامية لذلك انه من
المفترض ان يكون لهذه المؤسسات عقلها الذي يوجهها و يحدد استراتيجيات عملها و اهدافها و ان يكون
ضميرها الذي يذكرها بانتسابها لهذه الارض وبواجبها تجاه من يعيشون عليها خاصة من المهمشين وكل
من لا صوت لهم.
بقلم: فوزي النوري