واكب جمهور غفير مساء أمس السهرة الافتتاحية للدورة 57 لمهرجان قرطاج الدولي التي استهلّت بعرض فرجوي حمل عنوان “محفل” قال عنه مخرجه فاضل الجزيري إنه يُعيد بناء طقوس الأعراس البدوية.
وأقبل الجمهور بأعداد غفيرة ملأت مدرجات المسرح الروماني بقرطاج، وسط إجراءت تنظيمية محكمة مكنته من الدخول بسلاسة إلى المسرح الذي تزيّن بسينوغرافيا بصرية جديدة ارتكزت أساسا على الإضاءة دون أن تفقد الفضاء هويته ورونقه التاريخي.
وأثث العرض حوالي 120 عنصرا بين عازفين ومنشدين وراقصين ومغنّين من بينهم نور شيبة وآمنة الجزيري ويحيى الجزيري وعلي الجزيري ونضال اليحياوي ومحمد العايدي ومحمد علي شبيل وفوزية الكافية وأسامة النابلي وهيثم الحضيري وفتحي الماجري وسامي الرزقي.
وحاول الجزيري وفريق العرض أن يكون وفيا إلى حد ما لتقاليد العرس التونسي البدوي، فحضرت الآلات الموسيقية التقليدية الأساسية في العرض منها الإيقاعية كالطبل والبندير والدربوكة، إلى جانب الآلات النفخية وهي القصبة والزكرة والمزود. ولكن الجزيري الذي يُصرّ في كل مرة على الابتكار والتجديد، كما فعل في عروض الحضرة، أدخل آلات موسيقية غربية كالغيتار والغيتار باص، ولم يكتف بإدخال هذه الآلات الغربية فحسب، بل أضاف للعرض إيقاعات موسيقية غربية على غرار موسيقى الروك لتتداخل مع الموسيقى البدوية التونسية الأصيلة ومع الأغاني.
ولكن إيقاعات موسيقى الروك الصاخبة أفقدت العرض هويته التونسية التي ألِفها الجمهور وأفرغت “المحفل” من طابعه الأصيل، بعد أن غلبت إيقاعات الموسيقى الغربية على بعض المقاطع الغنائية منها بالخصوص “بجاه الله يا حب اسمعني” التي أداها علي الجزيري أو أغنية “زينة” من التراث الكافي التي أدتها آمنة الجزيري.
ولاحظ عدد كبير من الحاضرين الذين تحدثت إليهم وكالة تونس افريقيا للأنباء أن العرض كان عكس توقعاتهم، ففي الوقت الذي انتظر فيه الجميع أن يحفل الركح بموسيقى تستحضر العادات والتقاليد التونسية وأن يبرز ثراء المخزون الموسيقي الشعبي وتنوعه من جهة إلى أخرى على مستوى الغناء والأهازيج التي تحمل بعدا احتفاليا، قدّم العرض نسخة مشوهة للمحفل التونسي، ولم يُحسن الجزيري توظيف موسيقى الروك والبلوز والجاز في هذا العمل، رغم نجاحه النسبي في إدخال هذه الأنماط الموسيقية الغربية على الحضرة.
وأكد عدد من الحاضرين تفضيلهم سماع أغاني الأعراس كما هي دون إدخال أي إضافات مثل أغنية “بين الوديان” للفنان الفقيد إسماعيل الحطاب. واعتبروا أن ما أقدم عليه الجزيري في محفله هو “نسخة مشوهة من تراثنا وأصالتنا”، بل إن من الحاضرين ندّد بشدة بما جاء في محتوى العرض قائلين إن “التعلّل بإدخال إيقاعات موسيقية غربية بهدف استقطاب الفئات الشبابية حتى لا يكون هذا النمط الموسيقي حكرا على فئة كبار السن أمر غير مبرّر لأن موسيقى الأعراس تستقطب جميع الفئات والأعمار وهي متجذرة في المجتمع التونسي ولدى التونسيين وغير مهددة بالاندثار”.
من جانبه، دافع فاضل الجزيري في تصريحات إعلامية عن المجموعة المشاركة في العمل، مؤكدا أن فريق العمل لهم تكوين كل في مجاله سواء كان في العزف أو الرقص أو الغناء. وأكد أن من أساسيات العرض هو إبراز الصورة الشعبية للفرح عند التونسيين. وأضاف أن العمل قابل للتطور في العروض القادمة، لافتا إلى أن الجمهور أقبل بكثافة وتجاوب مع مختلف فقرات العرض.
وكان الجزيري جمع في هذا العمل، الذي هو إنتاج مشترك بين مركز الفنون جربة ومسرح الأوبرا بمدينة الثقافة، أنماطا فنية متنوعة، جمعت بين إيقاعات الجربي، الفزاني، العلاَجي، الغيطة، السعداوي، الدرازي، بوزيقة، الشاوي، المربع، بو نوارة، الروك، البلوز، الجاز.