“لا سبيل لنا إلا الصبر، الصبر على شظف الحياة في قرى صحراوية مقفرة، زادها الجفاف والتصحر، بسبب زحف الرمال، صعوبة، ولولا تدخل دائرة الغابات بحماية القرية، لغمرت الرمال المساكن وهجرها أهلها” كلمات لخص بها محسن عمري أحد سكان قرية شاكمو وضع المتساكنين الذي يزداد سوء سنة بعد سنة.
فقرية شاكمو الواقعة بمدخل ولاية توزر على الطريق الوطنية رقم 3، هي احدى المناطق المتضررة من ظاهرة زحف الرمال، بتواتر هبوب رياح قوية محملة بالتربة، يتلوها جفاف متواصل، مما يجعل كثبان الرمال تصل الى مساكن القرية وواحتها وتهددهما بالزوال.
في هذا السياق، يذكر النوري توايتي (أحد المتساكنين)، أن جميع تفاصيل حياتهم مرتبطة بالأتربة، فهي تسد مداخل الواحة وتقف حاجزا أمام أبواب منازلهم فتكبدون يوميا مشقة إزاحتها حتى يسهل مرورهم وقضاء شؤونهم، في حين تتكاثف جهود الفلاحين مع مصالح دائرة الغابات تعاضدها أحيانا تدخلات مصالح الإدارة الجهوية للتجهيز لفتح مداخل الواحة وابعاد الرمال عنها.
فمنذ سنة 2020 زاد معدل الأيام التي تشهد فيها الجهة الرياح المحملة بالأتربة، وفق رئيس الدائرة الجهوية للغابات بتوزر محمد الدبابي، الذي بين ان معدل الرياح في السنة كان يصل الى 120 يوما من بينهم 70 يوما تكون فيها الرياح محملة بالتربة، الا ان الظاهرة تتفاقم ارتباطها بالتغيرات المناخية مع تواتر سنوات الجفاف وقلة الامطار، ما أدى الى تعرية الغطاء النباتي وجعل حبيبات الرمال خفيفة، يسهل حملها وانتقالها من مكان الى آخر بفعل الرياح.
وبين الدبابي انه جراء هذا الوضع، أصبحت بعض المناطق مهددة بزحف الرمال أكثر فأكثر، حيث لم تكن قبل هذا التاريخ مصنفة من بين المناطق المهددة بالظاهرة، ولم تكن جهود دائرة الغابات كافية للحد من الظاهرة وإن ساهمت في الحماية والتقليل من دخول الاتربة الى المساكن والواحات من خلال برامجها المركزة أساسا على الحماية الميكانيكية عبر إقامة الطوابي بالجريد الجاف لحماية المنشآت الحيوية والبنية التحتية.
وتدخلت الدولة منذ سنوات بحماية المنطقة السقوية في شاكمو بإنجاز ما يزيد عن 10 كيلومترات من الطوابي كمصدات رياح، تعمل على خلق كثبان رملية اصطناعية وتمنع تقدمها الى الواحة، ثم تدخلت بغراسة أشجار تتلاءم مع مناخ الجهة ومنها الأصناف المحلية “كالطرفة”، وبعد الانتهاء من أشغال حماية الواحة، انتقلت التدخلات لحماية القرية بمواصلة الحد من زحف الرمال بالطوابي وتثبيتها بالغراسات، وقد أنجزت الدائرة ضمن برنامج 2022 و2023 حوالي 4 هكتارات من الغراسات، وتعهد وصيانة 2 كلم من الطوابي، وإقامة 15 كلم جديدة من الطوابي أو الستائر.
واعتبرت سنة 2023، سنة استثنائية من حيث عدد الأيام التي شهدت فيها الجهة رياحا قوية وهبوب عواصف رملية، فاقت ما تم تسجيله طيلة السنوات الماضية، وكانت بحسب الدبابي “من أصعب الأعوام لعدم امكانية التدخل في الابان والاضطرار الى اصلاح ما أسقطته الرياح”، فزحف الرمال، وهو أحد مظاهر التصحر الذي تعرفه الجهة بل أكثرها تهديدا للحياة في هذه المنطقة “بات يهدد أكثر من نصف مساحة ولاية توزر، أي حوالي 64 بالمائة من رقعة تمسح 5594 كلم مربع”، وفق قوله.
وتكاد جميع منافذ الولاية الشمالية والجنوبية والغربية تكون حاملة للأتربة بالنظر الى وجود 03 مجار هوائية، الأول من الجهة الشرقية من منطقة القويقلة الى شاكمو، والثاني شمالي الولاية من منطقة شمسة الى الظافرية، والثالث من جهة الجنوب يمتد من عنق الجمل الى معتمدية حزوة وتتميز مجاري الهواء هذه برياح قوية في فترات طويلة من السنة.
وترجع عوامل ازدياد ظاهرة التصحر الناجم عن زحف الرمال الى عوامل مناخية أساسا، بارتفاع درجات الحرارة وقلة الامطار التى “ستزداد تداعياتها سواء خلال الخمسين سنة القادمة “، وفق خبراء المناخ، أما العوامل الإنسانية فهي تحل بدرجة ثانية ويمثل الرعي الجائر أحد أسبابها لاعتماد سكان منطقة شاكمو، كما بعض المناطق الأخرى، على تربية الأغنام والماعز بطريقة تقليدية تحتاج الى المراعي، زيادة على الاحتطاب.
ويعتبر ضعف نقاط المياه المستغلة للغراسات في المناطق المهددة بزحف الرمال، أحد أسباب عدم نجاح نسبة كبيرة من الغراسات المنجزة أو الاقتصار على مساحات محدودة، ففي منطقة شاكمو تولى مجمع التنمية الفلاحية بالمنطقة تزويد دائرة الغابات بكمية من المياه لري المساحات المغروسة في انتظار استغلال بئر تم حفره في المنطقة يفتقر للربط بالكهرباء، وتحتاج ما بين 8 الاف الى 9 آلاف شجرة، تمت غراستها في شاكمو عن طريق حضائر الغابات، الى توفير نقاط مياه وزيادة عدد عمال حضائر الغابات.
وتكمن الحلول للتقليل من تأثيرات تقدم الرمال، وفق الدبابي، في مشاريع متكاملة تستفيد منها بصفة خاصة القرى الأكثر عرضة للظاهرة وهي شاكمو (معتمدية حامة الجريد) والتعمير (معتمدية حزوة) والظافرية (معتمدية تمغزة) بإطلاق مشاريع تنمية ريفية مندمجة تضم تدخلات تهم زحف الرمال وتحسين مستوى عيش السكان وتعصير الفلاحة باستعمار تقنيات الاقتصاد في مياه الري بما فيها المساحات الغابية واستعمال الطاقة الشمسية لضخ المياه من الآبار وإدخال سلالات جديدة من الأغنام والماعز لا تحتاج تربيتها الى الرعي في المراعي الطبيعية تساهم في تثبيت السكان وادماج هذه القرى في الدورة الاقتصادية.
وتهدد ظاهرة التصحر قرابة 300 ألف هكتار من مساحة ولاية توزر منها 235 ألف هكتار مهددة بالانجراف الهوائي أي زحف الرمال، وإضافة الى تأثير الظاهرة في نوعية حياة البشر وانحصار الغطاء النباتي وزحف الرمال على المناطق السكنية والفلاحية، بات زحف الرمال والعواصف الرملية أحد أسباب تدهور صحة الانسان في هذه المناطق بظهور أمراض الجهاز التنفسي الحاد.
وات