يثير مشروع قانون ينظّم إنشاء الجمعيات وتمويلها، مخاوف كبيرة في تونس المتعثرة اقتصاديًا، حيث تدعم الكثير من هذه المنظمات أنشطة مهمة على غرار الصناعات التقليدية والتدريب المهني ومساعدة النساء المعنفات.

ويفترض أن يحل المقترح الجديد مكان قانون 88 الذي أقرّ في سبتم2011، وسمح بإنشاء حوالي 25 ألف منظمة وجمعية شكّلت حلقة مهمة في مسار الانتقال الديموقراطي في البلاد، إثر سقوط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي.

وينص مشروع القانون الذي يناقشه البرلمان، على أن تمنح وزارة الشؤون الخارجية التراخيص للمنظمات الأجنبية وتراقب تمويلاتها.

وتقدّم بمشروع القانون عشرة نواب من الداعمين للرئيس قيس سعيّد الذي هاجم في مناسبات عدة نشاط بعض الجمعيات، واعتبرها امتدادًا “لأطراف خارجية” في تونس خصوصًا في ما يتعلق بالتمويل.

وأثار النص حفيظة منظمات حقوقية تونسية ودولية على حد سواء.

وندّدت “منظمة العفو الدولية” بـ”التراجع المتزايد للحقوق” في تونس، منذ قرّر سعيّد في صيف 2021 احتكار السلطات في البلاد وتغيير الدستور وحلّ البرلمان السابق.

وتُشكّل جمعية “شانتي” التي تنشط في مجال الحرف والصناعات التقليدية، واحدة من المنظمات التي تعبّر عن مخاوفها من بعض فصول مشروع القانون الجديد.

تنظيم في إطار الحوار

يقول مهدي البكوش مدير “شانتي” التي تعتمد غالبية موازنتها على تمويلات خارجية: “نحن حذرون بشأن ما سيحدث”، لا سيما مع إدراج القانون الجديد لمسألة التراخيص المسبقة التي يجب طلبها من السلطات للحصول على أموال من الخارج.

وبالإضافة إلى متجر الصناعات التقليدية حيث تباع منتجات 60 حرفيًا (من السجاد والفخار والأثاث)، توظّف جمعية “شانتي” نحو “22 عاملًا بدوام كامل” و”تدعم حوالي مئة مشروع” في جميع أنحاء البلاد وفي قطاعات مختلفة منها السياحة والزراعة.

ويوضح البكوش لوكالة فرانس برس: “من المهم الحفاظ على مكسب الحريات التي حقّقتها الجمعيات ومواصلة التطوير للحصول على التمويل الوطني أو الدولي”، مؤكدًا أنّه منفتح على تنظيم القطاع ولكن في إطار “حوار متواصل” مع السلطات.

ويرى أنّ تطوير قطاع الجمعيات “يوفّر آلاف فرص العمل، ويؤثر أكثر من ذلك في آلاف الأشخاص بشكل مباشر” في حياتهم اليومية.

من جهته، يعتبر رئيس “الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان” باسم الطريفي أنّ “تونس قد تفقد مجتمعها المدني وكل العمل الذي قامت به” إذا تم تعديل قانون 88 بشكل جذري.

ويؤكد لوكالة فرانس برس أنّه “بحسب دراسة قمنا بها، فإننا من خلال الحد من الموارد المالية للمجتمع المدني، قد نخسر حوالي 30 ألف فرصة عمل بشكل مباشر، و100 ألف فرصة عمل غير مباشرة”.

ركود اقتصادي وديون

نهاية عام 2023، دخلت تونس في ركود اقتصادي، وتجاوزت نسبة البطالة 16% وحتى 40% بين الشباب.

كما أنّ الموازنة العامة للدولة التونسية مثقلة بالديون (80% من الناتج المحلي الإجمالي)، وتوجّه أساسًا لدفع رواتب موظفي القطاع الحكومي والعام ولا تملك التمويلات الكافية لدعم الجمعيات.

ويكشف الطريفي أنّ “النية تتجه اليوم من خلال هذا القانون، إلى التضييق على المجتمع المدني وعلى تمويله ونشاطه وحصر نشاطه في مواضيع معينة تكون مقترحة من قبل السلطة السياسية”.

تشاور مع المجتمع المدني

ويشاركه هذه المخاوف والتوجس، مقرّر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي، كليمان نياليتسوسي فول الذي زار تونس في الفترة الأخيرة.

ويدعو المسؤول الأممي إلى اعتبار “مرسوم 2011 من مكتسبات الثورة التي يجب الحفاظ عليها”، مؤكدًا أنّ نظام “التراخيص المسبقة الجديد لإنشاء الجمعيات، يعطي صلاحيات مفرطة للسلطة التي يمكنها، وفق أجندتها رفض الترخيص لانشاء جمعية”.

ويضيف فول أنّ قانون تشكيل الجمعيات الحالي والذي يقوم على أساس إخطار السلطات، يتيح للسلطات مراقبة “أجندة المنظمة وما إذا كان هناك خطر أمني داهم” من خلال نشاطها.

وكان لانتشار المنظمات والجمعيات دور لافت في تونس إثر ثورة 2011، وخصوصًا خلال مرحلة الانتقال الديموقراطي ومختلف المراحل السياسية العصيبة التي مرت بها البلاد.

ودعا مقرّر الأمم المتحدة إلى “أن تفتح السلطات نقاشًا مع المجتمع المدني”، مشيرًا إلى “مشكلة عدم التشاور” بشأن مراجعة المرسوم 88.

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اعلانات

  • فضاء مخصص للاعلانات