يبدو أن السلطة في تونس بدأت في متابعة جدية لملف المؤسسات العمومية الحساس، نظرا لاضطلاعها بأدوار اجتماعية واقتصادية باتت مفقودة، وعمّقت صعوباتها ممارسات الفساد المستشري فيها، وهو ما دفع الرئيس قيس سعيد إلى التأكيد على إصلاحها وإعادة إحيائها من جديد.
وفي لقائه أمس الجمعة 29 مارس 2024 بقصر قرطاج، برئيس الحكومة أحمد الحشاني، شدد رئيس الجمهورية على ضرورة الإسراع في عملية إنقاذ عديد المؤسسات والمنشآت العمومية.
واطّلع رئيس الدولة، على البرنامج الذي تم وضعه مؤخرا لإنقاذ الشركة التونسية للسكر التي انشأت سنة 1961، مذكرا بأن هذه المؤسسة من بين المؤسسات التي تعتز بها تونس وكانت النية تتجه بعد حوالي عشر سنوات من إحداثها إلى بلوغ طاقة إنتاج تصل إلى 700 ألف طن في السنة ولكن تهالكت معداتها وصار جزء منها خارج الخدمة وطالها ما كان يسمى بالتأهيل الشامل للمؤسسات فلا هي أهلت ولا هي تطورت، بل فتحت الأبواب أمام اللوبيات وشبكات الفساد.
كشفت الزيارات الفجئية المتواترة للرئيس التونسي قيس سعيد لعدد من المؤسسات العمومية في مختلف جهات البلاد، مراهنة جديّة من السلطة خصوصا بعد إجراءات الخامس والعشرين من جويلية 2021، لإصلاح المؤسسات الحكومية، عوض العمل على خصخصتها.
ويبدو أن قيس سعيد يدرك جيّدا حجم “الفساد” المستشري في تلك المؤسسات التي تراجع مردودها بوضوح، بعدما كانت قاطرة للاقتصاد التونسي ورافدا من روافد التنمية في البلاد إثر الاستقلال في العام 1956.
ويقود الرئيس التونسي جهودا حثيثة لمحاربة الفساد الذي ينخر المؤسسات العمومية عبر إغراقها بالتعيينات العشوائية، وكثيرا ما دعا إلى تطهيرها ممن يصفهم بـ”المندسين” وإنقاذ تلك المؤسسات من شبح الإفلاس، كما يعتبر أنها “مخترقة” من أشخاص يعمدون إلى تعطيلها وخصوصا ممن تم تعيينهم بعد 2011.
وتوجّه رئيس الجمهورية قيس سعيد يوم 2 فيفري 2024 إلى مقري رئاسة الحكومة والكتابة العامة للحكومة بالقصبة أين اطلع على سير عدد من المرافق العمومية وفق ما أوردته رئاسة الجمهورية في بلاغ أرفقته بفيديو الزيارتين.
وأكد رئيس الدولة وفق ما ورد في مقطع الفيديو على » ضرورة مواصلة العمل حتى تعود الثقة في مؤسسات الدولة، بعد أن حل الإحباط محل الأمل والإقبال على الحياة في السنوات الأخيرة « .
وشدد على « ضرورة تحمل المسؤولين لمسؤولياتهم وأن تبقى المرافق العمومية قائمة على مبدأ الحياد ».
وفي 31 جانفي أدى قيس سعيد زيارة إلى مصنع عجين الحلفاء والورق بالقصرين، حيث قال إنه سيتم العمل على تأهيل المصنع و تطهيره”،حسب تعبيره.
ويُعد ملف إصلاح المؤسسات العمومية ملفا حساسا لدى شرائح واسعة في تونس، وتعيش تلك المؤسسات أوضاعا صعبة بالتزامن مع أزمة حادة تعانيها تونس، للقطاع الخاص.
وتعاني عدة شركات عامة، بينها الخطوط الجوية التونسية وشركة فوسفات قفصة، سوء الإدارة وضعف الاستثمار فيها وارتفاع ديونها.
وتفاقمت أزمة شركة الخطوط التونسية خلال السنوات الماضية، إذ زاد مستوى تردي خدماتها، وتضم الشركة، التي لا يتجاوز أسطولها 28 طائرة من بينها 15 قيد التشغيل، حوالي ثمانية آلاف موظف، ونسبة العاملين مقارنة بعدد الطائرات لدى الشركة هي الأعلى بين شركات الطيران في العالم.
ويذكر أن قيس سعيد كان قد أصدر خلال سنة 2022 ما لا يقل عن 81 مرسوما و104 أمرا رئاسيا بلا أي فحص أو مراقبة خارجة عن شخصه. وواظب على تبرير هذه الإجراءات بـ “الخطر الداهم” و “اختراق مؤسسات الدولة” ملغيا بشكل ممنهج توازن السلط.
فهل تعزز زيارات الرئيس إلى المؤسسات العمومية المسار الديمقراطي ؟