ورغم ما وصلت إليه البلاد التونسيّة من مراتب متقدّمة على مستوى حقوق ومكاسب المرأة، إلّا أنّ عطلة الأمومة تعتبر من الحلقات الأضعف في المنظومة التشريعيّة خاصّة وأنّ القانون الذّي ينظّمها يراوح مكانه من أكثر من أربعين سنة دون مراعاة للتطوّرات الحاصلة في عالم الشغل.
وللوقوف على تفاصيل هذا المشروع وتقييم واقع التشريعات المتعلّقة بالمرأة التونسيّة، أجرت ديوان أف أم حوارا مع النائبة عن كتلة الخط الوطني السيادي بثينة الغانمي، وفيما يلي نصّ اللّقاء:
بداية، كيف تقيّمون واقع التشريعات المتعلّقة بالمرأة في تونس؟
إنّ القوانين والتشريعات في تونس تسنّ ويقرّ بها الدستور ولكنّها لا تطبّق ولا فائدة ترجى منها والحال أنّه يراد بها تحقيق العدالة الإجتماعيّة والمساواة بين الجنسين في الحقوق والحريّات. فمجلّة الأحوال الشّخصية كانت إصلاحا لواقع المرأة إلّا أنّه كان إصلاحا جزئيا، فرغم حرصها على تكريس حقّ المرأة في التعلّم والعمل والتنظّم داخل الجمعيّات والمشاركة في الحياة السياسية إلاّ أنّها لم تكن مواكبة لما تتطلّع له في مجال الحقوق والحريّات .
لذلك نعتقد أنه آن الأوان لوجود هيكل أو مؤسّسة تراقب مدى تطبيق هذه القوانين على أرض الواقع.
أيّ مسافة بين القانون والممارسة ؟ (الفجوة بين التشريعات والواقع)
إنّ الدستور في تونس يضمن للمرأة عدّة حقوق تنصفها وقد أرست بلادنا قوانين رائدة ترجمتها مجلة الاحوال الشخصية التي كانت سباّقة في الوطن العربي والعالم. ولكننا حين نحاول أن نطابق بين القانون والواقع نجد أنّ وضع المرأة لا يرقى إلى مستوى ما يكفله لها القانون والمشرع التونسي والأمثلة متعدّدة:
فالقانون يجرّم العنف ضد المرأة ولكنّنا في الواقع لا نجد إنعكاسا لهذا التجريم إذ تتعرّض 41 %من النساء للعنف الجسدي و74 %للعنف الجنسي و78 % للعنف النفسي وغيره ..
والقانون يضمن لها حياة كريمة ولكن المتأمّل في واقع العاملات الفلاحيات يجد كلّ أشكال الاضطهاد والاستغلال فهنّ يتقاضين أجرا يتراوح بين 10 و15 دينارا وفي كثير من الأحيان يرفض الوسطاء خلاص اجورهنّ. وهذا ما يستوجب غطاء قانونيّا يحميهنّ من الاستغلال ويضمن حقوقهنّ المغيّبة الى حدّ الساعة .
كما أنّ المرأة تحرم من الميراث ومن حقها للنفاذ للملكيّة خاصة في المناطق الريفيّة بحكم أميتها وانقطاعها المبكّر عن الدراسة. وتحرم أيضا من التمكين الاقتصادي في بعض الجهات فهي لا تتمتع إلاّ 5 % من الأراضي الفلاحيّة التي تستغلّها.
وعلى الرغم أنّ لها الحق في المشاركة السياسية على قدم المساواة مع الرجل، الاّ أنّ تمثليّتها في البرلمانات محدودة وغير منصفة.
والمرأة تمنع من الزواج لغير مسلم كما ان الفصل 58 من مجلة الاحوال الشخصية يمنعها من حضانة ابنائها إذا تزوّجت .. وغيرها من الحالات والأمثلة.
وعلى أهميّة مجلة الاحوال الشخصية وحرصها على ضمان حقوق المرأة إلاّ أنّها حافظت على عدد من القوانين كقانون الإرث والمهر ومنحة الرجل ومرؤوسيّة العائلة للرجل وفرضت واجب الطاعة على الزوجة هذا فضلا على العنف الثقافي الذي تتعرض له.
لو تقدمين لنا نبذة عن تطوّر التشريعات في علاقة بعطلة الأمومة والأبوّة؟
لقد مرّ على إصدارهذا القانون 40 سنة ويمثّله الفصل 48 من القانون عدد 112 لسنة 1983 الذي يخصّ قطاع اعوان الدولة والجماعات العمومية المحليّة والمؤسسات العمومية. وقد تمسّكت به الدولة التونسية رغم التغيّرات في عالم الشغل والتحوّلات الإقتصاديّة والإجتماعية في العالم.
وهذا القانون غير منسجم مع معايير العمل الدولية ويكرّس التمييز بين النساء والرجال في مسؤولية تربية الأبناء وتنشأتهم.
ماذا يقول القانون الحالي ؟ وهل تعتبرون أنّ فيه تقصيرا من الدولة في حق المرأة ووليدها؟
إنّ القانون الحاليّ يضمن للمرأة التمتّع بشهرين خالصة الأجر لعطلة امومة وأربعة أشهر اضافية بنصف الاجر. كما تقدّم مطلبا قبل استيفاء المدة ب15 يوما من تلك المدة وهذا لا يفي بالحاجة المادية والنفسية للأم الحاضنة.
وينص القانون 48 مكرّر على راحة الرضاعة لمدة زمنية تتمثل في ساعة واحدة بالنسبة للمرأة التي تشتغل بنظام الحصّة الواحدة وساعتين بالنسبة لنظام الحصّتين مع امكانية التمتع بنصف الوقت والانتفاع بثلثي الاجر. وهذا أمر غير منصف للمرأة لأنّ هذه المدة لا تفي بحاجتها للرضاعة وحالتها النفسية التي تستوجب راحة في البيت.
كما أنّ المشرع التونسي لا يعترف بعطلة الابوة التي لا تتجاوز حاليّا 3 ايام ولا يراعي الحاة النفسية للمرأة الحامل قبل الولادة ولم يتعرّض بتاتا للمراة التي تفقد جنينها.
إنّ هذه القوانين التي كرّسها المشرّع التونسي لم تكن ملائمة مع ما تقرّ به منظّمة العمل الدولية في الاتفاقية عدد 183 والتي تنص على ضرورة حماية الامومة بإسناد عطلة لا تقل عن 14 أسبوعا اي بثلاثة اشهر ونصف.
وحسب اعتقادي، فإنّ هذه القوانين لم ترقى الى مستوى مراعاة الأمومة والطفل وفيها تجنّ وحيف مسلط على المرأة وتكريس للتمييز ضدّها كما تختزل وظيفتها في انجاب الاطفال وتربيتهم.
أين تتموقع تونس مقارنة ببقيّة دول العالم؟
إنّ الوضعية القانونية للأمومة ولحقوق المراة المرتبطة بالولادة في مرتبة متدنية جدا. اذ تحتل تونس المراتب الأخيرة عالميا وتحتل المرتبة قبل الاخيرة بين الدول العربية .
حتى القانون 58 لسنة 2006 لم يرتقي لمستوى التوصيات الواردة في الاتفاقية العالمية 183 والتي تنص على ضرورة العمل الائق للانسان امرأة كانت أو رجلا.
أمام التأخّر في الترتيب وعدم التوائم مع الاتفاقية الدولية ، سعت العديد من الأطراف لإيجاد حلّ يحفظ صحّة الأمّ كالاتّحاد العام التونسي للشغل الذي كرّس العديد من الورشات والنقاشات والتفاعلات في سبيل إيجاد حلول لتنقيح هذا القانون ومراجعته.
كما سعت الحكومة أيضا لتنقيح القانون والعمل على تعديل بعض الفصول لتصبح أكثر إنصافا للمرأة ووقع تقديم مشروع قانون من قبل الحكومة سنة 2019 وصادق عليه مجلس الوزراء ومرّر إلى مجلس النواب ولكن لم يتم تمريره والمصادقة عليه وتمّت إعادته لمجلس الوزراء لمراجعته وإعادة تنقيحه بسبب وجود ثلّة من المناهضين والمعارضين له وخاصة من ممثلي الأعراف. حيث أنّ هناك اعترضا لدى الخواصّ، على هذه العطل ودعوات لعدم المساس بأيّام العمل وبالتالي اضطهاد المرأة واستغلالها . وبعد تعطيل العمل البرلماني ، تعطّل معه هذا المشروع ولم يعرض من جديد من طرف الحكومة.
تفاصيل مشروع القانون المقترح؟ ولماذا هذا المشروع ؟
هو “مقترح قانون يتعلق بتنظيم عطل الأمومة والأبوة والوالدية في القطاعين العام والخاص” ويتضمّن 22 فصلا وقد تبنّى 24 نائبا هذا المقترح ومازال العدد في تزايد. وتتطرّق لأربعة عناوين كبرى :عطلة ما قبل الولادة، وعطلة الامومة ، وعطلة الأبوّة وراحة الرضاعة. ويشار إلى أنّ نظام هذه العطل موحّد بين القطاعين العامّ والخاصّ مع بعض الاختلافات.
ومن بين فصوله، فصل يحدّد المدّة القصوى لعطلة الأمومة بسبعة عشر أسبوعا متتالية بداية من عطلة ما قبل الولادة مع استحقاق كامل المرتب بالنسبة للقطاع العام وثلثي الأجر اليومي الاعتيادي المصرح به بالنسبة للقطاع الخاص دون أن يكون أقل من الأجر الأدنى السنوي للسنة التي وقع فيها الحمل في القطاعين الفلاحي والصناعي. كما يتفع الأب بعطلة أبوة مدتها عشرة أيام خالصة الأجر بعد الإدلاء بشهادة طبية تثبت الولادة وتكون هذه العطلة خلال العشر أيام الأولى من تاريخ الولادة…
ويراد من هذا القانون تحقيق المساواة بين الجميع دون تمييز في الحقوق وهو ما نص عليه الفصل 23 من الدستور وسنعمل على تمريره صلب المؤسسة التشريعية ليكون مكسبا للمرأة يدعم ما حقّقته في مجلة الاحوال الشخصية وفي الدستور التونسي.
ما مدى قابليّة تطبيق هذا القانون سواء في القطاع الخاص أو العام خاصة مع تداخل عديد الاطراف الاخرى كالصناديق الاجتماعية وغيرها؟
من الوارد أن تنجرّ بعض الصعوبات عن تطبيق هذا القانون، خاصّة في علاقة بالمؤجرين، لذلك من المهمّ تشريك هذه الأطراف والتفاعل معها علما وأنّ المقترحات لا تمرّر إلا بعد أن تمرّ على اللّجان وذلك لمراعاة جميع الاطراف.
وهذا ما نتوق إليه لتتحسّن وضعية المرأة ولتكون التشريعات والقوانين مجزية ومنصفة لها وتكون ملائمة للمرأة خاصّة وللاسرة بصفة عامة