تبرز ظاهرة العنف الجنسي كمشكلة مجتمعية تستدعي الانتباه، رغم نقص الدراسات والبيانات المتاحة لتحليلها بدقة. التحرش الجنسي، وهو أحد أشكال هذا العنف، يظل من القضايا الأقل توثيقًا، على الرغم من الجهود البحثية المتفرقة من قبل مؤسسات مثل فريدريش إيبرت ومركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة ومركز المرأة العربية للتدريب والبحوث.
يتجلى التحرش الجنسي بشكل خاص في البيئات ذات العلاقات السلطوية، وقد ارتبط تاريخيًا بمكان العمل، حيث يُمارس من قبل شخص يتمتع بسلطة أعلى على الضحية. وتتضمن بعض التشريعات عقوبات للتحرش الجنسي تحت بند التمييز الجنسي في العمل، مع تجاوز هذه العقوبات لمجلة الشغل لتشمل أشكالًا أوسع من التمييز وانتهاك الكرامة.
وفي الوسط المدرسي، يُعتبر التحرش الجنسي مشكلة معقدة ومحرّمة، تتسم بالأفعال والمواقف المسيئة التي تؤدي إلى عواقب نفسية ومهنية جسيمة للضحايا، وتؤثر سلبًا على البيئة التعليمية بأكملها. وتُعزى ندرة الأبحاث حول التحرش الجنسي في المؤسسات التعليمية إلى الصمت المحيط بالظاهرة في هذا السياق.
ويعد العنف الجنسي والتحرش الجنسي من القضايا الحرجة التي تواجه المجتمعات، وتتطلب توعية وتدخلات مستمرة.
حيث يُعرف العنف الجنسي بأنه أي فعل جنسي يُمارس بالقوة أو الإكراه أو التهديد أو المفاجأة، ويشمل الاعتداءات الجنسية، الاستغلال الجنسي، العنف الإلكتروني، الاغتصاب، والتحرش الجنسي، ويُعتبر انتهاكًا للحقوق الأساسية للإنسان.
أما التحرش الجنسي، فيتمثل في فرض سلوك أو عبارات ذات طابع جنسي على شخص بطريقة مهينة أو مذلة، سواء كان ذلك بشكل متكرر أو غير متكرر، مما يخلق بيئة مخيفة أو عدائية أو مسيئة. يشمل التحرش الجنسي أيضًا استخدام الضغط الشديد للحصول على فعل جنسي، سواء لصالح الجاني أو طرف ثالث، وهو ما يُعرف بـ”الابتزاز الجنسي”.
تتناقض هذه الأفعال مع العلاقات الرضائية التي تقوم على الاتفاق الواضح والطوعي، ويحق للشخص الموافق التراجع عن هذا الاتفاق في أي وقت إذا شعر بتغير الظروف.
في الوسط المدرسي، يُعتبر التحرش الجنسي مشكلة معقدة وغالبًا ما تُعتبر محظورة، وتتسم بالأفعال والمواقف المسيئة التي تؤدي إلى عواقب نفسية  خطيرة للضحايا، وتؤثر سلبًا على البيئة التعليمية بأكملها.
التحرش الجنسي والتحيز الجنسي
في ظل المعارك المستمرة ضد التحرش الجنسي، يبرز التحيز الجنسي كعامل رئيسي يغذي هذه الآفة. يتجلى التحيز في النظرة الدونية للأفراد بناءً على جنسهم أو اختزالهم إلى مجرد كائنات جنسية. هذا التحيز لا يقتصر على الأفعال الظاهرة كالنكات الجنسية، بل يمتد ليشمل التمييز الجنسي، التحرش المعنوي، العنف الجسدي، وحتى الاغتصاب.
من جانب آخر، يعد التحرش المعنوي ظاهرة مدمرة تتخطى الدلالات الجنسية لتشمل أي سلوك مسيء يتكرر أو يتبع نمطًا معينًا ينال من كرامة الشخص أو سلامته النفسية أو الجسدية. هذا النوع من التحرش يهدد الاستقرار الوظيفي والتعليمي ويسمم بيئة العمل والدراسة.
الفارق الجوهري بين التحرش المعنوي والجنسي يكمن في أن الأول لا يحمل بالضرورة دلالة جنسية ولا يعتمد على النوع الاجتماعي، مما يجعله أكثر عمومية ولكن لا يقل خطورة.
التحرش الجنسي تحت مجهر القانون التونسي
في ظل التطورات القانونية الأخيرة، يشهد القانون التونسي تعديلات جوهرية تتعلق بجريمة التحرش الجنسي، مما يعكس توجهًا نحو تعزيز الحماية القانونية وتحقيق العدالة للضحايا.
وفقًا للقانون عدد 58 لسنة 2017، الذي أصبح نافذًا في فيفري  2018، يُعرف التحرش الجنسي بأنه اعتداء يتضمن أفعالًا، إشاراتًا، أو أقوالًا ذات إيحاءات جنسية تنتهك كرامة الشخص أو تمس حياءه، بهدف إجباره على الاستجابة لرغبات جنسية.
يُسلط القانون الضوء على ثلاثة عناصر أساسية لتعريف التحرش الجنسي:
1. الاعتداء: يجب أن يكون في شكل أفعال، إشارات، أو أقوال.
2. الإيحاءات الجنسية: يجب أن يحمل الاعتداء دلالات جنسية.
3. الإخضاع والإضعاف: يجب أن يكون الاعتداء كافيًا لإخضاع الضحية وإضعاف إرادتها.
يُعاقب القانون التونسي على التحرش الجنسي بالسجن لمدة تصل إلى عامين أو بغرامة مالية، وتتضاعف العقوبة في حالات معينة مثل إذا كانت الضحية طفلاً أو إذا استغل الفاعل سلطته.
هذه التعديلات تمثل خطوة مهمة نحو ترسيخ مفاهيم العدالة والمساواة، وتؤكد على التزام تونس بحماية حقوق الأفراد وكرامتهم.
و شهد القانون المتعلق بالتحرش الجنسي تطورات مهمة، حيث تم تعزيز الحماية القانونية للضحايا وتشديد العقوبات على المرتكبين. بموجب التعديلات الأخيرة، تمت مضاعفة العقوبات السجنية والغرامات المالية، وإلغاء الحاجة إلى إثبات الطابع المتكرر للتحرش لتحقيق الإدانة. هذه الخطوات تعكس التزام المشرّع التونسي بمكافحة العنف الجنسي وتوفير بيئة آمنة للأفراد، خاصةً في الوسط الجامعي.
بالإضافة إلى ذلك، يتم التمييز في القانون التونسي بين جرائم التجاهر بالفاحشة والاعتداء على الأخلاق الحميدة، مع الإشارة إلى أن النصوص القانونية لا توفر تعريفات دقيقة وواضحة لهذه الجرائم، مما يترك مجالاً للتفسير القضائي. يُعتبر التجاهر بالفاحشة جريمة ترتكب علناً وبقصد، ويُطلب من القضاة تقييم الطبيعة غير الأخلاقية للفعل المعني.
تعكس هذه التعديلات القانونية جهود تونس لتعزيز حقوق الإنسان وحماية الضحايا من جميع أشكال العنف الجنسي.

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اعلانات

  • فضاء مخصص للاعلانات