يعزو خبراء الفقر المائي في تونس بالأساس إلى المناخ والكثافة السكانية وسوء التصرف في الموارد المائية والسياسات المائية غير الملائمة، ما يؤثر سلبا على التنمية في مختلف المجالات.

تونس – تواجه تونس التأثيرات السلبية للجفاف خاصة من حيث نسب المخزون المائي والإنتاج الزراعي، فيما يشير الخبراء إلى أن الوضع المناخي الذي تمرّ به البلاد نتيجة حالة الاحتباس الحراري يفرض عملا مكثفا للبحث عن موارد بديلة للمياه، ويتطلب وضع خطط مبتكرة لتنمية الاقتصاد.

ويعتبر خريف 2023 الأكثر حرارة منذ أكثر من 70 عاما، وبالتالي الأكثر جفافا، وكشف المعهد الوطني للرصد الجوي في نشرية المناخ الشهرية الصادرة في 17 يناير الجاري، أن شهر نوفمبر 2023 كان الأشد حرارة من بين كل أشهر نوفمبر منذ العام 1950، وهو نفس ما تميز به شهر أكتوبر وفق تقرير سابق، فيما كان شهر سبتمبر الماضي الأكثر جفافا منذ 53 عاما، وهو ما يشبر إلى حجم الأزمة التي تعرفها البلاد.

وقال المرصد التونسي للفلاحة إنّه خلال الفترة المتراوحة بين 1 سبتمبر 2023 و15 نوفمبر 2023، لم تتجاوز كميات الأمطار بكامل البلاد التونسية 1,5 مم حيث سجلت أهم الكميات بجهة الشمال الشرقي 7,2 مم، والشمال الغربي 5,4 مم، معتبرا أن كميات الأمطار المسجلة تعدّ ضعيفة جدًا بالمقارنة مع معدل الفترة حيث تجاوز العجز 94 في المئة في جل المناطق.

وبلغت الإيرادات الجملية للسدود في تونس بتاريخ 15 نوفمبر 2023، حوالي 20,7 مليون متر مكعب بالمقارنة مع الإيرادات المسجلة خلال معدل الفترة المقدرة بـ 241,5 مليون متر مكعب، والإيرادات المسجلة خلال نفس الفترة من السنة المنقضية 51,4 مليون متر مكعب.

وتعد ثلاثة أرباع الأراضي في تونس شبه قاحلة أو مناطق قاحلة، ما يؤثر وبشكل كبير على موارد المياه الطبيعية. كما وضع خبراء من اليونسكو تونس في فئة البلدان المعرضة لأن تكون لها مشاكل مياه خطيرة بدءا من عام 2025.

q2_279-300x200 الجفاف يفرض على تونس البحث عن حلول مبتكرة لندرة المياه

ولأول مرة شهدت البلاد حالة جفاف لأربع سنوات متتالية، وقالت المهندسة والخبيرة في الموارد المائية روضة قفراج إنه على تونس الإعلان عن حالة الجفاف ككارثة طبيعية واللجوء للمنظمات الدولية للمطالبة بالدعم الفوري بسبب تدهور المائدة المائية في البلاد، وأضافت ”هنالك استنزاف كبير للمائدة المائية ونقص كبير في المجامع المائية ناتجة عن ضعف تساقط الأمطار، كما أن الدولة لم تطرح حلولا استباقية لهذه الأزمة”.

ودعت قفراج إلى مزيد التحكم في الموارد المائية المتجددة على غرار السدود والموائد المائية، واعتبرت أن مسألة المياه والأمن الغذائي لا يمكن الفصل بينهما، مشيرة إلى أن الأمن الغذائي أصبح مهددا لتواتر سنوات الجفاف، وأن حوالي 8 في المئة من الموارد المتجددة الملقبة بالزرقاء يتم استخدامها لري الزراعة، وتوقعت اختلال دورة المياه في البلاد بسبب النشاط البشري والتحضر وإنشاء شبكات الري وأشغال تعبئة المياه.

ويكمن الحل، بحسب قفراج ، في تحلية مياه البحر بغاية إدارة الوضع المائي ضمن رؤية عالمية تأخذ بعين الاعتبار الحساب العالمي للمياه بمعنى المياه الخضراء والمياه الزرقاء، أي المياه المتجددة والمياه المتبادلة من حيث الاستيراد والتصدير.

وفي أبريل 2023، أصدرت وزارة الفلاحة التونسية قرارا يقضي بالحد من استعمال المياه الصالحة للشرب لأغراض زراعية وريّ المساحات الخضراء وتنظيف الشوارع والأماكن العامة وغسيل السيارات، وباعتماد نظام الحصص لتوزيع المياه على السكان، وأعادت القرار إلى” تواتر سنوات الجفاف وضعف الإيرادات بالسدود، مما انعكس سلبا على مخزونها المائي الذي بلغ مستوى غير مسبوق”

 

وتشير التوقعات المناخية في تونس إلى أن انخفاضا في هطول الأمطار سيصل إلى 22 مليمترا بحلول عام 2050، وهو ما يمثل انخفاضا بنسبة 9 في المئة مقارنة بالمستويات الحالية، وسيبلغ 45 مليمترا في عام 2100، أي سينخفض 18 في المئة.

وفي يوم دراسي حول “الأمن المائي في تونس في ظل التغيرات المناخية”، نظمه مجلس النواب في الثالث من يناير الجاري، وأشرف عليه رئيس المجلس إبراهيم بودربالة، أوضح فايز مسلم المدير العام للسدود والأشغال المائية الكبرى بوزارة الفلاحة، أن بلاده تحتل المرتبة 30 عالميا من حيث ندرة المياه مقارنة مع بقية بلدان البحر الأبيض المتوسط، وبالاعتماد على معدل حصّة الفرد من المياه البالغ 420 متر مكعب سنويا، تعدّ تونس تحت عتبة الشح المائي المقدّرة بــ 500 متر مكعب في السنة لكل ساكن.

ومن خلال التطرق إلى مخطّط العمل المعتمد لسنة 2024 ولا سيما في علاقة بمجابهة الشح المائي وإعطاء الأولوية لمياه الشرب، أشار المدير العام للسدود إلى خطة الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه لمجابهة ذروة الاستهلاك خلال صائفة 2024، والمتمثلة في إعداد برنامج يحتوي على 83 تدخلا بمختلف ولايات البلاد، سواء من حيث استغلال المياه الجوفية المتاحة عبر حفر آبار عميقة خاصة بالمناطق المزودة كليا بمياه جوفية، والقيام بعمليات الصيانة اللازمة مع تغيير وتجديد بعض تجهيزات الضخ، أو من حيث العمل على التوعية بترشيد الاستهلاك والاقتصاد في الماء، إضافة إلى السعي إلى إدخال محطتي تحلية مياه البحر بكل من الزارات وصفاقس حيز الاستغلال قبل صائفة 2024.

وتطرق رفيق العيني المدير بمكتب التخطيط والتوازنات المائية بوزارة الفلاحة، إلى الدراسة الإستراتيجية لقطاع المياه في أفق 2050، وقال إنها تهدف إلى تأمين التوازنات المائية والانتقال من إدارة العرض إلى إدارة الطلب، باعتماد التصرّف المندمج والمستديم في الموارد، مع التأكيد على الجوانب الكمية والنوعية والأبعاد الاقتصادية والتكنولوجية والبحث العلمي.

وشدّد على أن هذه الدراسة سترتكز على تأمين مياه الشرب كأولوية مطلقة وذلك حسب خصوصية كل إقليم ، مشيرا إلى أنها ستعتمد نموذجا ديناميكيا يأخذ بعين الاعتبار ضغوطات التأثيرات المناخية والديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية.

q3_178-300x196 الجفاف يفرض على تونس البحث عن حلول مبتكرة لندرة المياه

وبيّن العيني أن من مخرجات هذه الدراسة إعداد مخططات عملية تهم سنوات 2025/2023 و2030/2026 و2040/2031 ثم 2050/2041،على أن يتم الاعتماد على التقنيات الحديثة للاقتصاد في المياه بمناطق الواحات وتعزيز الأمن الغذائي المستدام ومراقبة جودة المياه والتحكم في التلوث والتخفيف من حدة تأثيرات التغيرات المناخية، مع التوجه نحو الزراعات التي تتأقلم مع هذه الظاهرة والعمل على توحيد جميع مؤسسات المياه في دائرة واحدة.

وأكد تقرير مرصد تونس لخريف 2023 الصادر عن البنك الدولي،على التحديات الاقتصادية في تونس، حيث أدى الجفاف الممتد لفترة طويلة، في القطاع الزراعي، إلى نمو محدود، وارتفاع طفيف في البطالة، لتصل إلى 15,6 في المئة في الربع الثاني من عام 2023، بعدما كانت 15,3 في المئة قبل عام.

ويعتبر الجفاف أحد أبرز مظاهر التغير المناخي الذي تعتبر تونس من أكثر دول العالم تأثرا به، وبحسب تقرير لمنظمة غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الناشطة في مكافحة آثار تغير المناخ، فإنه يمكن اختصار الحالة التي تعيشها تونس -للمرة الأولى منذ عقود- بـ”جفاف حاد وسدود شبه فارغة”، وذلك بسبب ندرة الأمطار وحدّة الجفاف التي لم يسبق لها مثيل.

وبيّن وزير الخارجية التونسي نبيل عمار أن بلاده تعدّ من بين الدول الأكثر تضرّرا من التغير المناخي الذي أصبحت تداعيته تهدّد أمنها المائي والغذائي وتعيق جهودها التنموية بصفة مباشر، داعيا الأطراف المانحة إلى رصد الاعتمادات الكافية لتفعيل هذه الآلية وتبسيط إجراءات الولوج إليها، بما يتناسب مع الطبيعة الاستعجالية للعمل المناخي ويستجيب للحاجيات العاجلة للدول المتضررة في تعويض الخسائر التي لحقتها.

وشدد وزير الدفاع عماد مميش على ضرورة أن تتجه الخيارات الوطنية نحو الوسائل التي تمكّن بلاده من مجابهة تأثيرات التغير المناخي، في إطار مقاربة شاملة وإستراتيجية وطنية تأخد في الاعتبار الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والمناخية والفلاحية، مع وجوب تسخير كل الإمكانيات المتاحة للحد من المخاطر والتهديدات الناجمة عن التغير المناخي.

وأشار إلى أن من بين هذه الخيارات، ترشيد استهلاك المياه للمحافظة على القدرات المائية للبلاد التونسية وعلى المائدة المائية، واختيار الطاقة البديلة والنظيفة كبديل عن الطاقات التقليدية، وحسن استغلال الأراضي الفلاحية واختيار زراعات تتماشى مع ما تعيشه البلاد اليوم من شح مائي، في ظل أزمات متأتية من عديد الوضعيات الخارجة عن النطاق الوطني، على غرار الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها على سوق الحبوب.

وأثّر تراجع الأمطار وعدم انتظامها خلال الفترة الماضية سلبا على المحاصيل الزراعية، إذ أشارت التقديرات إلى انخفاض مستويات محاصيل الحبوب بنسبة 60 في المئة عن مستوياتها المعتادة، وفق بيانات وزارة الزراعة التونسية. وحسب بيانات الوزارة الزراعة فقد تم جمع 2,7 مليون قنطار من الحبوب فقط في موسم 2022، مقابل 7,5 مليون قنطار في الموسم السابق، و15 مليونا في 2020.

وبسبب هذه الوضعية، فإن تونس ستكون مضطرة لاستيراد أكثر من 95 في المئة من احتياجاتها من الحبوب، انطلاقا من أن أزمة الجفاف ونقص مياه الري أثرت على الزراعات الكبرى خاصة الحبوب، ما تسبب في أزمة ندرة الحبوب ومشتقاتها في البلاد.

كما رجّح البنك الدولي تراجع الإنتاج الفلاحي ما بين 29,1 في المئة و33,1 في المئة، مقارنة بالتوقعات ضمن سيناريو لا يحتسب الضغط المناخي، وهو ما سيكون له نتائج سلبية أكثر على الفقراء في الأرياف، الذّين يمتلكون موارد أقل لمجابهة انعكاسات التغيّرات المناخية. وستترجم هذه الخسائر بتقلص الناتج الاجمالي المحلي الحقيقي ما بين 4،1 بالمائة و4،6 بالمائة.

وبحسب التقرير، فإن جزءا كبيرا من هذه الخسائر سيتجسّد، في أفق سنة 2030، حين يتراوح حجم الاقتصاد بين 2 و2,7 بالمئة، وهي نسب أٌقل ممّا كانت ستكون عليه إذا لم يكن الجفاف المنجر عن التغيّرات المناخية، وتتراوح الخسائر بين 2,7 و 3,8 مليار دينار (0,9 و1,3 مليار دولار) في السنة.

وأظهر البنك الدولي أنّه في أفق سنة 2050 يمكن أن تتراجع الموارد الجملية من المياه، للشخص الواحد وفي السنة الواحدة، بنسبة 66 بالمئة (من 366 متر مكعب إلى 122 متر مكعب).

واعتبارا لحجم الطلب، فإنّ تقلّص التزوّد بالماء من شأنه أن يؤدّي إلى عدم القدرة على الاستجابة سوى لـ28 في المئة من الطلب في أفق سنة 2050، وسيكون تقلّص الموارد من المياه مرفقا، بحسب تقرير مؤسسة الإقراض الدولية، بتراجع جودتها وبتنامي الأمراض المتصلة بالماء مع انعكاسات سلبية، ملموسة أكثر، على السكان الأقل حظّا.

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اعلانات

  • فضاء مخصص للاعلانات