في ظل التطور السريع للتكنولوجيا والاتصالات، تزداد الحاجة إلى تشريعات تحمي المجتمع من الجرائم الإلكترونية والإرهابية وغيرها من التهديدات الأمنية. ولكن في نفس الوقت، تزداد المخاوف من تعرض حقوق الفرد والحريات الأساسية للانتهاك والاستغلال من قبل السلطات أو الجهات الأخرى. وهكذا، تتوارى العديد من التساؤلات والتحفظات حول مدى ملاءمة وفعالية وشفافية التشريعات الجديدة في هذا المجال.

 

وعلى صعيد التشريعات، تحدث النائب ياسين مامي عن الجدل الدائر حول تنقيح المرسوم رقم 54 الذي ينظم استخدام البيانات الشخصية والاتصالات الإلكترونية، والذي تم إصداره في عام 2021. يرى مامي أن بعض الفصول في المرسوم قد يشكل تهديداً لحقوق الفرد وخاصة الفصل 24 الذي يتعلق بالعقوبات الجزائية والخطايا المالية. يقول مامي: “هذا الفصل يسمح للقضاء بفرض عقوبات قاسية على من يخالف المرسوم، مثل السجن لمدة تصل إلى خمس سنوات أو غرامة تصل إلى مليون دينار، وهذا يفتح المجال للتعسف والانتقام والتضييق على المواطنين والنشطاء والصحفيين”

 

بينما طرح كريم وناس، عضو المكتب التنفيذي لنقابة الصحفيين، مخاوفه بشأن تأثير تطبيق المرسوم 54 على حرية التعبير، حيث يشير إلى أن الصحفيين يعيشون في جو من الخوف والترهيب في ظل هذه التشريعات الجديدة. يقول وناس: “المرسوم 54 يحد من حرية الصحافة ويهدد مهنة الصحفي، فهو يجعل الصحفي مسؤولاً عن كل ما ينشره على وسائل الإعلام الإلكترونية، ويجبره على الحصول على موافقة مسبقة من الجهات المعنية لنشر أي معلومة تتعلق بالأمن القومي أو الدفاع أو العلاقات الخارجية أو الصحة العامة أو البيئة أو الاقتصاد أو الثقافة أو الرياضة أو الدين” (الصباح، 2024).

 

ويجسد هذا الصدام بين مبادرات التشريع وحقوق الفردية توتراً يتزايد مع تقدم التكنولوجيا وتطور الاتصالات، ويتطلب بذل جهود مشتركة لتحقيق التوازن بين مكافحة الجرائم وضمان حماية الحقوق والحريات الأساسية. فلا يمكن أن نضحي بحقوقنا وحرياتنا من أجل الأمن، ولا يمكن أن نتغاضى عن الجرائم من أجل الحرية. بل يجب أن نسعى إلى إيجاد حلول عادلة ومتوازنة ومتوافقة مع القوانين الدولية والمواثي

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اعلانات

  • فضاء مخصص للاعلانات