ما نراه اليوم هوّ الحصيلة الموضوعيّة لانتهاج سياسة الأمر المقضي التي فرضتها إسرائيل بدعم وإسناد من الولايات المتّحدة الأمريكية (إعلان القدس عاصمة لإسرائيل) هذا المخطّط تمّ الشروع في تنفيذه بناءا على العناصر الجيوسياسية آنذاك (الحروب الأهليّة الدائرة في الدول العربيّة، مشروع الشرق الأوسط الجديد …) وبناءا على استشراف لمصير المنطقة والذي تمّ وأده في سوريا لارتباط مآل الحرب بعموم الخارطة الجيوسياسية وبمصير قوّة إقليمية كبرى : إيران .
بعيدا عن الأحداث الدائرة اليوم والتي كان من المفترض أن تكون متوقّعة باعتبار أنّ إسرائيل لم تترك للفلسطينيين من حلول أخرى سوى المقاومة المسلّحة. من ناحية أخرى يمثّل الفلسطينيين الدّرع الأوّل للقوى الإقليمية في المنطقة وهوما يفرض على هذه القوى دعم المقاومة و الحفاظ على هذه الورقة والتي تسمح بوضع موطأ قدم في عموم المشهد في الشّرق الأوسط.
اليوم تفجّر الوضع في المنطقة وفي تقديري فإنّ الأزمة السياسية التي تعيشها إسرائيل أعمق وأخطر من الخسائر الباهظة التي تكبّدتها على يد حركة حماس وذلك بعد فشل سياسة عملت عليها إسرائيل منذ عقود من خلال تطويق الفلسطينيين والقضيّة الفلسطينية عبر التطبيع مع دول المنطقة و بشكل أوضح فإنّ كلّ مسار يستثني الشعب الفلسطيني وفصائله المسلّحة لا يمكن أن يعمّر طويلا وهذا ما ثبت اليوم بصوت الرصاص والقنابل على الأرض.
ما تتّجه إليه إسرائيل من عمليّات انتقاميّة لن يزيد الوضع إلاّ تأزّما وقد يؤدّي إلى اتّساع نطاق الحرب في حال تدخّلت قوى كبرى أو في حال قرّرت إسرائيل القضاء على حركة حماس ممّا قد يقود لحرب استنزاف و لعمليّات ” استشهاديّة ” تنفذها الفصائل الفلسطينية في الداخل الإسرائيلي كما يمكن أن يؤدّي إلى دخول حزب اللّه للحرب حفاظا على الحليف الموضوعي :حماس و إن كان الطرفان يختلفان في الارتباطات والمشروع لأنّه إذا اتّجهت إسرائيل للقضاء على حماس فالتالي هوّ حزب اللّه الذي يمثّل تهديدا استراتيجيا متصاعدا كما تمثّل حماس شوكة في خاصرة إسرائيل تعيق حركتها ومخطّطاتها بالنّسبة لكلّ الفاعلين بما فيها حزب اللّه.
في تقديري فإنّ هذا الوضع المتحرّك والمعقّد سيتواصل لفترة وقد ينتهي بمفاوضات مباشرة بين الطرفين بضغط من القوى الدّوليّة وبطلب غير مباشر من إسرائيل التي تعقّد وضعها بأعداد أسراها من المدنيين و العسكريين رغم القصف العشوائي الذي تنفّذه في غزّة و الذي يعبّر عن حالة تخّط غير مسبوقة وكلّ ذلك بعد مرحلة استنزاف قد تطول لأشهر و قد تقصر حسب تطوّرات الوضع على الأرض، هذه المفاوضات إن حصلت ستكون على قواعد جديدة بعد ثبوت القدرات القتاليّة العالية لحماس وضعف القبّة الحديدية وما ارتبط بها من أساطير.
ملاحظة: هذه القراءة الموضوعيّة لا تمنع وقوفي في صفّ الشّعب الفلسطيني في دفاعه عن حقوقه المشروعة.
فوزي النوري