تُنبئُ العناصر السينوغرافية المكونة للركح والديكور أن عرض “صنديدة” للفنان رؤوف ماهر سيكون من عبق المخزون الغنائي التراثي الأصيل للجنوب التونسي ويترجم هذا التنوع الثقافي والحضاري الذي تزخر به تونس. فقد تحوّل ركح المسرح الروماني بقرطاج، الليلة الماضية (28 جويلية)، إلى فضاء يعكس نمط الحياة البدوية في الصحراء، فتزيّن بخيمة بدوية وأواني طبخ تقليدية ومنسوجات وملابس من التراث الصحراوي، إلى جانب حضور زينة المرأة الصحراوية بحليّها وأزيائها. وقد أشرف على إخراج العرض الأستاذ المسرحي أنور الشعافي.
وكان الجمهور التونسي على موعد بأعداد غفيرة اكتظت بها مدرّجات المسرح الروماني بقرطاج لحضور هذا الحفل البهيج الذي يتغنى فيه الفنان رؤوف ماهر بالمرأة. وقد سجّل هذا العرض توافد أعداد محترمة من الجزائريين والليبيين بما أن مضمون هذا العرض وخصوصياته الثقافية لا تختلف كثيرا عن الخصائص الثقافية في الدولتين الشقيقتين الجزائر وليبيا.
ومصطلح “صنديدة” عنوان هذا العرض، هو أيضا عنوان أغنية شهيرة لرؤوف ماهر، أصيل ولاية مدنين، وقد أطلقها منذ سنتين ولاقت نجاحا كبيرا على الأنترنت. وهذا المصطلح تتجسّد فيه معاني الشجاعة والعزة والشرف وكثيرا ما اقترن بالفرسان من الرجال، لكن رؤوف ماهر أنّث هذه الكلمة فجعلها “صنديدة” ليكرّم المرأة التونسية التي تتّصف هي أيضا بمعاني الشهامة والعزة والشجاعة والنضال في مختلف مجالات الحياة.
كما أراد أن يرسم لوحة موسيقية عن تونس التنوع والاختلاف والتعايش السلمي وأن يُبرز عمق الموروث الغنائي الصحراوي التونسي الذي ينثر الفرح ويُدخل البهجة على سامعه بطابعه الفلكلوري والاحتفالي، رغم قساوة العيش في البيئة الصحراوية. وهذا ما حدث على مدرّجات مسرح قرطاج حيث انتشى الجمهور رقصا على إيقاعات باقة من الأغاني التونسية الأصيلة وردّدها بحماس شديد على مدى ساعتيْن من الزمن دون انقطاع مع رؤوف ماهر الذي بدا بدوره مشحونا بتلك الطاقة الإيجابية المنبعثة من الجمهور، فغنّى بإحساس مرهف ومشاعر صادقة بحضور ركحي مميّز، وكان عند حسن ظنّ الجمهور الذي وقف في طوابير طويلة قبل انطلاق العرض بأربع ساعات رغبة فيحجز أماكنه.
واستهلّ رؤوف ماهر حفله بأداء النشيد الوطني التونسي، وفي ذلك تأكيد منه على أن التراث الموسيقي الصحراوي هو جزء من التراث الموسيقي الوطني. ثم غنى “رمل الوطن” و”موال سلامات” و”مولات القربة” و”غزيل الأرياف” و”الولّادة” و”صنديدة” و”ريت النجمة”، إلى جانب باقة من الأغاني الجربية. كما كرّم عددا من الفنانين التونسيين والجزائريين على غرار فاطمة بوساحة وقاسم الكافي والشاب نصرو وحسني ومامي وعقيل، فأدى باقة من أغانيهم على غرار “عمي الشيفور و”أهلي غصبوني” و”لليري يما” إلى جانب باقة من أغاني الراي.
وعبّر الفنان رؤوف ماهر في الندوة الصحفية التي تلت الحفل مباشرة عن سعادته باعتلاء ركح قرطاج ونجاح العرض فنيا وجماهيريا، قائلا إن هذا الحضور الجماهير الكبير ضاعف من حجم المسؤولية لديه ليقدم حفلا يليق بالحاضرين وبقيمة المهرجان وعراقته.
وأفاد أن فريق العمل ضمّ ما يناهز 100 عنصر نصفهم من العازفين والكورال. وأكد أنه حريص على تشريك جميع أفراد الفريق خلال العروض القادمة في المهرجانات الصيفية رغم الكلفة المادية الباهضة لذلك، مضيفا أن شرطه الوحيد هو توفير جميع المتطلبات التقنية للعرض في المهرجانات من أجل تقديم الحفل في أفضل الظروف للجماهير.
وبخصوص ما إذا كان ينوي الإعداد لأغنية مشتركة مع فنان من جنسية أخرى، ذكر رؤوف ماهر أنه مستعد للغناء مع أي فنان آخر وهو منفتح على جميع المقترحات، على أن تكون مشاركته في العمل باللهجة التونسية.